الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (33): {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}{وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والاقربون} لابد فيه من تقدير مضاف إليه أي لكل إنسان أو لكل قوم، أو لكل مال أو تركة وفيه على هذا وجوه ذكرها الشهاب نور الله تعالى مرقده: الأول: أنه على التقدير الأول معناه لكل إنسان موروث جعلنا موالي أي وراثًا مما ترك وهنا تم الكلام، فيكون {مّمَّا تَرَكَ} متعلقًا والي أو بفعل مقدر، و{مَوَالِىَ} مفعول أولا لجعل عنى صير، و{لِكُلّ} هو المفعول الثاني له قدم عليه لتأكيد الشمول ودفع توهم تعلق الجعل ببعض دون بعض، وفاعل {تَرَكَ} ضمير كل، ويكون {الوالدان} مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ومن الوارث؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون، والثاني: أن التقدير لكل إنسان موروث جعلنا وراثًا مما تركه ذلك الإنسان، ثم بين ذلك الإنسان بقوله سبحانه: {الوالدان} كأنه قيل: ومن هذا الإنسان الموروث؟ فقيل: الوالدان والأقربون وإعرابه كما قبله غير أن الفرق بينهما أن {الوالدان والاقربون} في الأول: وارثون، وفي الثاني: موروثون، وعليهما فالكلام جملتان، والثالث: أن التقدير ولكل إنسان وارث مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي موروثين، فالمولى الموروث و{الوالدان} مرفوع بـ {تَرَكَ} وما عنى من، والجار والمجرور صفة ما أضيفت إليه كل، والكلام جملة واحدة، والرابع: أنه على التقدير الثاني معناه، ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما تركه والداهم وأقربوهم، فلكل خبر نصيب المقدر مؤخرًا وجعلناهم صفة قوم؛ والعائد الضمير المحذوف الذي هو مفعول جعل، وموالي: إما مفعول ثان أو حال و{مّمَّا تَرَكَ} صفة المبتدأ المحذوف الباقي صفته كصفة المضاف إليه وحذف العائد منها. ونظيره قولك: لكل من خلقه الله تعالى إنسانًا من رزق الله تعالى، أي لكل واحد خلقه الله تعالى إنسانًا نصيب من رزق الله تعالى، والخامس: أنه على التقدير الثالث معناه: لكل مال أو تركة مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي وراثًا يلونه ويحوزونه، ويكون {لِكُلّ} متعلقًا بجعل و{مّمَّا تَرَكَ} صفة كل، واعترض على الأول والثاني بأن فيهما تفكيك النظم الكريم مع أن المولى يشبه أن يكون في الأصل اسم مكان لا صفة فكيف تكون من صلة له؟ وأجيب عن هذا بأن ذلك لتضمنه معنى الفعل كما أشير إليه على أن كون المولى ليس صفة مخالف لكلام الراغب فإنه قال: إنه عنى الفاعل والمفعول أي الموالي والموالى لكن وزن مفعل في الصفة أنكره قوم، وقال ابن الحاجب في «شرح المفصل»: إنه نادر، فإما أن يجعل من النادر أو مما عبر عن الصفة فيه باسم المكان مجازًا لتمكنها وقرارها في موصوفها، ويمكن أن يجعل من باب المجلس السامي، واعترض على الثالث بالبعد وعلى الرابع بأن فيه حذف المبتدأ الموصوف بالجار والمجرور وإقامته مقامه وهو قليل، وبأن لكل قوم من الموالي جميع ما ترك الوالدان والأقربون لا نصيب وإنما النصيب لكل فرد، وأجيب عن الأول بأنه ثابت مع قلته كقوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11]؛ وعن الثاني بأن ما يستحقه القوم بعض التركة لتقدم التجهيز والدين والوصية إن كانا، وأما حمل من على البيان للمحذوف فبعيد جدًا، وتعقب الشهاب الجواب عن الأول بأن فيه خللًا من وجهين: أما أولًا: فلأن ما ذكر لا شاهد له فيه لما قرره النحاة أن الصفة إذا كانت جملة أو ظرفًا تقام مقام موصوفها بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور ن، أو في، وإلا لم تقم مقامه إلا في شعر، وما ذكر داخل فيه دون الآية، وأما ثانيًا: فلأنه ليس المراد بقيامها مقامه أن تكون مبتدأ حقيقة بل المبتدأ محذوف وهذا بيانه كما أشير إليه في التقرير فلا وجه لاستبعاده، نعم ما ذكروه وإن كان مشهورًا غير مسلم، فإن ابن مالك صرح بخلافه في «التوضيح»، وجوز حذف الموصوف في السعة بدون ذلك الشرط، فالحق أنه أغلبي لا كلي، واعترض على الخامس بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بجملة عاملة في الموصوف نحو بكل رجل مررت تميمي وفي جوازه نظر، ورد بأنه جائز كما في قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السموات والأرض} [الأنعام: 14] ففاطر صفة الاسم الجليل وقد فصل بينهما باتخذ العامل في غير، فهذا أولى، والجواب بأن العامل لم يتخلل بل المعمول تقدم فجاء التخلل من ذلك فلم يضعف إذ حق المعمول التأخر عن عامله وحينئذٍ يكون الموصوف مقرونًا بصفته تكلف مستغنى عنه، واختار جمع من المحققين هذا الخامس والذي قبله، وجعلوا الجملة مبتدأة مقررة لمضمون ما قبلها، واعترضوا على الوجه الأول بأن فيه خروج الأولاد لأنهم لا يدخلون في الأقربين عرفًا كما لا يدخل الوالدان فيهم، وإذا أريد المعنى اللغوي شمل الوالدين، ورد بأن هذا مشترك الورود على أنه قد أجيب عنه بأن ترك الأولاد لظهور حالهم من آية المواريث كما ترك ذكر الأزواج لذلك، أو بأن ذكر الوالدين لشرفهم والاهتمام بشأنهم فلا محذور من هذه الحيثية تدبر.{والذين عَقَدَتْ أيمانكم} هم موالي الموالاة. أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال (75) بقوله سبحانه: {وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ}.وروي ذلك من غير ما طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذلك عن غيره، ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه إذا أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يرثه ويعقل عنه صح وعليه عقله وله إرثه إن لم يكن له وراث أصلًا، وخبر النسخ المذكور لا يقوم حجة عليه إذ لا دلالة فيما ادعى ناسخًا على عدم إرث الحليف لاسيما وهو إنما يرثه عند عدم العصبات وأولي الأرحام. والأيمان هنا جمع يمين عنى اليد اليمنى، وإضافة العقد إليها لوضعهم الأيدي في العقود أو عنى القسم وكون العقد هنا عقد النكاح خلاف الظاهر إذ لم يعهد فيه إضافته إلى اليمين؛ وقرأ الكوفيون {عَقَدَتْ} بغير ألف، والباقون {عاقدت} بالألف، وقرئ بالتشديد أيضًا، والمفعول في جميع القراءات محذوف أي عهودهم، والحذف تدريجي ليكون العائد المحذوف منصوبًا كما هو الكثير المطرد، وفي الموصول أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون مبتدأ وجملة قوله تعالى: {أيمانكم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} خبره وزيدت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والثاني: أنه منصوب على الاشتغال؛ قيل: وينبغي أن يكون مختارًا لئلا يقع الطلب خبرًا لكنهم لم يختاروه لأن مثله قلما يقع في غير الاختصاص وهو غير مناسب هنا، ورد بأن زيدًا ضربته إن قدر العامل فيه مؤخرًا أفاد الاختصاص، وإن قدر مقدمًا فلا يفيده، ولا خفاء أن الظاهر تقديره مقدمًا فلا يلزم الاختصاص والثالث: أنه معطوف على {الوالدان} فإن أريد أنهم موروثون عاد الضمير من فآتوهم على موالى وإن أريد أنهم وارثون جاز عوده على {مَوَالِىَ} وعلى {الوالدين} وما عطف عليهم، قيل: ويضعفه شهرة الوقف على {الأقربون} دون {أيمانكم}، والرابع: أنه منصوب بالعطف على موالي وهو تكلف. وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البخاري وأبو داود والنسائي وجماعة أنه قال في الآية: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} نسخت، ثم قال: {والذين عَلِيمًا وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له وروي عن مجاهد مثله، وظاهر ذلك عدم جواز العطف إذ من عطف أراد {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا} من الإرث {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْء شَهِيدًا} أي لم يزل سبحانه عالمًا بجميع الأشياء مطلعًا عليها جليها وخفيها فيطلع على الإيتاء والمنع، ويجازي كلًا من المانع والمؤتي حسب فعله، ففي الجلة وعد ووعيد..تفسير الآية رقم (34): {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}{الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} أي شأنهم القيام عليهن قيام الولاة على الرعية بالأمر والنهي ونحو ذلك. واختيار الجملة الإسمية مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم، وفي الكلام إشارة إلى سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث كما أن فيما تقدم رمزًا إلى تفاوت مراتب الاستحقاق، وعلل سبحانه الحكم بأمرين: وهبي وكسبي فقال عز شأنه: {ا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} فالباء للسببية وهي متعلقة بـ {قَوَّامُونَ} كعلى ولا محذور أصلًا، وجوز أن تتعلق حذوف وقع حالًا من ضميره والباء للسببية أو للملابسة وما مصدرية وضمير الجمع لكلا الفريقين تغليبًا أي قوّامون عليهن بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن، أو مستحقين ذلك بسبب التفضيل، أو متلبسين بالتفضيل، وعدل عن الضمير فلم يقل سبحانه بما فضلهم الله عليهن للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه بالكلية، وقيل: للإبهام للإشارة إلى أن بعض النساء أفضل من كثير من الرجال وليس بشيء، وكذا لم يصرح سبحانه بما به التفضيل رمزًا إلى أنه غني عن التفصيل، وقد ورد أنهن ناقصات عقل ودين، والرجال بعكسهن كما لا يخفى، ولذا خصوا بالرسالة والنبوة على الأشهر، وبالإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان والإقامة والخطبة والجمعة وتكبيرات التشريق عند إمامنا الأعظم والاستبداد بالفراق وبالنكاح عند الشافعية وبالشهادة في أمهات القضايا وزيادة السهم في الميراث والتعصيب إلى غير ذلك {وَا أَنفَقُواْ مِنْ أموالهم} عطف على ما قبله فالباء متعلقة بما تعلقت به الباء الأولى، وما مصدرية أو موصولة وعائدها محذوف، و{مِنْ} تبعيضية أو ابتدائية متعلقة بأنفقوا أو حذوف وقع حالًا من العائد المحذوف وأريد بالمنفق كما قال مجاهد المهر، ويجوز أن يراد بما أنفقوه ما يعمه، والنفقة عليهنّ، والآية كما روي عن مقاتل نزلت في سعد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء، وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجعوا هذا جبرائيل عليه السلام أتاني وأنزل الله هذه الآية فتلاها صلى الله عليه وسلم ثم قال: أردنا أمرًا وأراد الله تعالى أمرًا والذي أراده الله تعالى خير» وقال الكلبي: نزلت في سعد بن الربيع وامرأته خولة بنت محمد بن سلمة وذكر القصة، وقال بعضهم: نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبيّ وزوجها ثابت بن قيس بن شماس، وذكر قريبًا منه، واستدل بالآية على أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج وأن عليها طاعته إلا في معصية الله تعالى، وفي الخبر «لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها» واستدل بها أيضًا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة وهو مذهب مالك والشافعي لأنه إذا خرج عن كونه قوامًا عليها، فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح، وعندنا لا فسخ لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] واستدل بها أيضًا من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه لأنه سبحانه جعل الرجل قوامًا بصيغة المبالغة وهو الناظر على الشيء الحافظ له.{فالصالحات} أي منهن {قانتات} شروع في تفصيل أحوالهن وكيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، والمراد فالصالحات منهن مطيعات لله تعالى ولأزواجهن {حفظات لّلْغَيْبِ} أي يحفظن أنفسهن وفروجهن في حال غيبة أزواجهن، قال الثوري وقتادة: أو يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال، فاللام عنى في، والغيب عنى الغيبة، وأل عوض عن المضاف إليه على رأي، ويجوز أن يكون المراد حافظات لواجب الغيب أي لما يجب عليهن حفظه حال الغيبة، فاللام على ظاهرها، وقيل: المراد حافظات لأسرار أزواجهن أي ما يقع بينهم وبينهن في الخلوة، ومنه المنافسة والمنافرة واللطمة المذكورة في الخبر، وحينئذٍ لا حاجة إلى ما قيل في اللام، ولا إلى تفسير الغيب بالغيبة إلا أن ما أخرجه ابن جرير والبيهقي وغيرهم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {الرجال قَوَّامُونَ} إلى {الغيب}» يبعد هذا القول؛ ومن الناس من زعم أنه أنسب بسبب النزول {ا حَفِظَ الله} أي بما حفظهن الله تعالى في مهورهن، وإلزام أزواجهن النفقة عليهن قاله الزجاج، وقيل: بحفظ الله تعالى لهن وعصمته إياهن ولولا أن الله تعالى حفظهن وعصمهن لما حفظن فما إما موصولة أو مصدرية، وقرأ أبو جعفر {ا حَفِظَ الله} بالنصب، ولابد من تقدير مضاف على هذه القراءة كدين الله، وحقه لأن ذاته تعالى لا يحفظها أحد، وما موصولة أو موصوفة، ومنع غير واحد المصدرية لخلو حفظ حينئذٍ عن الفاعل لأنه كان يجب أن يقال بما حفظن الله، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكون فاعله ضميرًا مفردًا عائدًا على جمع الإناث لأنه في معنى الجنس كأنه قيل.فمن حفظ الله، وجعله ابن جني كقوله:ولا يخفى ما فيه من التكلف، وشذوذ ترك التأنيث ومثله لا يليق بالنظم الكريم كما لا يخفى، ثم إن صيغة جمع السلامة هنا للكثرة أما المعرف فظاهر، وأما المنكر فلأنه حمل عليه فلابد من مطابقته له في الكثرة، وإلا لم يصدق على جميع أفراده، وقد نص على ذلك في الدر المصون. وقرأ ابن مسعود {فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن}، وأخرج ابن جرير عنه زيادة {فأصلحوا إليهن} فقط.{والتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي ترفعهن عن مطاوعتكم وعصيانهن لكم، من النشز بسكون الشين وفتحها وهو المكان المرتفع ويكون عنى الارتفاع {فَعِظُوهُنَّ} أي فانصحوهن وقولوا لهن اتقين الله وارجعن عما أنتن عليه، وظاهر الآية ترتب هذا على خوف النشوز وإن لم يقع وإلا لقيل نشزن، ولعله غير مراد ولذا فسر في التيسير {تَخَافُونَ} بتعلمون، وبه قال الفراء كما نقله عنه الطبرسي وجاء الخوف بهذا كما في القاموس، وقيل: المراد: تخافون دوام نشوزهن أو أقصى مراتبه كالفرار منهم في المراقد.واختار في البحر في الكلام مقدرًا وأصله: واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن فعظوهن، وهو خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن.{واهجروهن فِي المضاجع} أي مواضع الاضطجاع، والمراد: أتركوهن منفردات في مضاجعهن فلا تدخلونهن تحت اللحف ولا تباشروهن فيكون الكلام كناية عن ترك جماعهن، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وقيل: المراد أهجروهن في الفراش بأن تولوهن ظهوركم فيه ولا تلتفتوا إليهن، وروي ذلك عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه ولعله كناية أيضًا عن ترك الجماع، وقيل: المضاجع المبايت أي أهجروا حجرهن ومحل مبيتهن، وقيل: {فِى} للسببية أي أهجروهن بسبب المضاجع أي بسبب تخلفهن عن المضاجعة، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى، فالهجران على هذا بالمنطق، قال عكرمة: بأن يغلظ لها القول، وزعم بعضهم أن المعنى أكرهوهن على الجماع واربطوهن من هجر البعير إذا شده بالهجار، وتعقبه الزمخشري بأنه من تفسير الثقلاء، وقال ابن المنير: لعل هذا المفسر يتأيد بقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} فإنه يدل على تقدم إكراه في أمر ما، وقرينة {المضاجع} ترشد إلى أنه الجماع، فإطلاق الزمخشري لما أطلقه في حق هذا المفسر من الإفراط. انتهى، وأظن أن هذا لو عرض على الزمخشري لنظم قائله في سلك ذلك المفسر، ولعدّ تركه من التفريط؛ وقرئ {في المضطجع} و{المضجع}.{واضربوهن} يعني ضربًا غير مبرح كما أخرجه ابن جرير عن حجاج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسر غير المبرح بأنت لا يقطع لحمًا ولا يكسر عظمًا.وعن ابن عباس أنه الضرب بالسواك ونحوه، والذي يدل عليه السياق والقرينة العقلية أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة فإذا خيف نشوز المرأة تنصح ثم تهجر ثم تضرب إذ لو عكس استغنى بالأشدّ عن الأضعف، وإلا فالواو لا تدل على الترتيب وكذا الفاء في {فَعِظُوهُنَّ} لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع، فالقول بأنها أظهر الأدلة على الترتيب ليس بظاهر، وفي الكشف الترتيب مستفاد من دخول الواو على «أجزئه» مختلفة في الشدة والضعف مترتبة على أمر مدرج، فإنما النص هو الدال على الترتيب. هذا وقد نص بعض أصحابنا أن للزوج أن يضرب المرأة على أربع خصال وما هو في معنى الأربع ترك الزينة والزوج يريدها وترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة في رواية والغسل، والخروج من البيت إلا لعذر شرعي، وقيل: له أن يضربها متى أغضبته، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه فإذا غضب على واحدة منا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها، ولا يخفى أن تحمل أذى النساء والصبر عليهن أفضل من ضربهن إلا لداع قوي، فقد أخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله تعالى عنه قالت: «كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ثم شكوهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى بينهم وبين ضربهن، ثم قال: «ولن يضرب خياركم» وذكر الشعراني قدس سره «أن الرجل إذا ضرب زوجته ينبغي أن لا يسرع في جماعها بعد الضرب» وكأنه أخذ ذلك مما أخرجه الشيخان وجماعة عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم» وأخرج عبد الرزاق عن عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ: «أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره» وللخبر محمل آخر لا يخفى.{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أي وافقنكم وانقدن لما أوجب الله تعالى عليهن من طاعتكم بذلك كما هو الظاهر {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي فلا تطلبوا سبيلًا وطريقًا إلى التعدي عليهن، أو لا تظلموهن بطريق من الطرق بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي وغيره واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فالبغي إما عنى الطلب، و{سَبِيلًا} مفعوله والجار متعلق به، أو صفة النكرة قدم عليها، وإما عنى الظلم، و{سَبِيلًا} منصوب بنزع الخافض، وعن سفيان بن عيينة أن المراد فلا تكلفوهن المحبة، وحاصل المعنى إذا استقام لكم ظاهرهن فلا تعتلوا عليهن بما في باطنهن {إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} فاحذروه فإن قدرته سبحانه عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم منهن، أو أنه تعالى على علو شأنه وكمال ذاته يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم إذا تبتم فتجاوزوا أنتم عن سيئات أزواجكم واعفوا عنهن إذا تبن، أو أنه تعالى قادر على الانتقام منكم غير راض بظلم أحد، أو أنه سبحانه مع علوه المطلق وكبريائه لم يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن..
|